للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأتيهم تِلْكَ الصُّورَة الَّتِي كَانَت فِي الْحَيَاة، وَهُوَ شَيْطَان تمثل فِي صورته فيظنونه إِيَّاه.

وَكثير مِمَّن يستغيث بالمشائخ فَيَقُول: يَا سَيِّدي فلَان، أَو: يَا شيخ فلَان اقْضِ حَاجَتي، فَيرى صُورَة ذَلِك الشَّيْخ يخاطبه وَيَقُول: أَنا أَقْْضِي حَاجَتك، أَو أطيب قَلْبك، فَيَقْضِي حَاجته أَو يدْفع عَنهُ عدوه، وَيكون ذَلِك شَيْطَانا قد تمثل فِي صورته لمّا أشرك بِاللَّه فدعى غَيره.

وَأَنا أعرف من هَذَا وقائع مُتعَدِّدَة، حَتَّى أَن طَائِفَة من أَصْحَابِي ذكرُوا أَنهم اسْتَغَاثُوا بِي فِي شَدَائِد أَصَابَتْهُم، أحدهم كَانَ خَائفًا من الأرمن، وَالْآخر كَانَ خَائفًا من التتر، فَذكر كل مِنْهُم أَنه لما اسْتَغَاثَ بِي رَآنِي فِي الْهَوَاء وَقد دفعت عَنهُ عدوه، فَأَخْبَرتهمْ أَنِّي لم أشعر بِهَذَا، وَلَا دفعت عَنْكُم شَيْئا، وَإِنَّمَا هَذَا شَيْطَان تمثل لأَحَدهم فأغواه لما أشرك بِاللَّه تَعَالَى.

وَهَكَذَا جرى لغير وَاحِد من أَصْحَابنَا الْمَشَايِخ مَعَ أَصْحَابهم، يستغيث أحدهم بالشيخ، فَيرى الشَّيْخ قد جَاءَ وَقضى حَاجته، وَيَقُول ذَلِك الشَّيْخ: إِنِّي لم أعلم بِهَذَا، فيتبين أَن ذَلِك كَانَ شَيْطَانا.

وَقد قلت لبَعض أَصْحَابنَا لما ذكر لي أَنه اسْتَغَاثَ بِاثْنَيْنِ كَانَ يعتقدهما وأنهما أَتَيَاهُ فِي الْهَوَاء وَقَالا لَهُ: طيِّب قَلْبك نَحن ندفع عَنْك هَؤُلَاءِ ونفعل ونصنع. قلت لَهُ: فَهَل كَانَ من ذَلِك شَيْء؟ فَقَالَ: لَا. فَكَانَ هَذَا مِمَّا دلّه على أَنَّهُمَا شيطانان، فَإِن الشَّيَاطِين وَإِن كَانُوا يخبرون الْإِنْسَان بقضية أَو قصَّة فِيهَا صدق فَإِنَّهُم يكذبُون أَضْعَاف ذَلِك، كَمَا كَانَت الْجِنّ يخبرون الْكُهَّان.

وَلِهَذَا من اعْتمد على مكاشفته الَّتِي هِيَ من أَخْبَار الْجِنّ كَانَ كذبه أَكثر من صدقه؛ كشيخ كَانَ يُقَال لَهُ الشياح توّبناه وجدّدنا إِسْلَامه، كَانَ لَهُ قرين

<<  <  ج: ص:  >  >>