للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقد ذكر الله عَن إِبْرَاهِيم أَنه حَاج الَّذِي حاجه فِي ربه فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم فِي ربه أَن آتَاهُ الله الْملك إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت قَالَ أَنا أحيي وأميت قَالَ إِبْرَاهِيم فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب} فَهَذَا قد يُقَال: إِنَّه كَانَ جاحدا للصانع وَمَعَ هَذَا فالقصة لَيست صَرِيحَة فِي ذَلِك؛ بل يَدْعُو الْإِنْسَان إِلَى عبَادَة نَفسه وَإِن كَانَ لَا يُصَرح بإنكار الْخَالِق مثل إِنْكَار فِرْعَوْن.

وَبِكُل حَال " فقصة إِبْرَاهِيم " إِلَى أَن تكون حجَّة عَلَيْهِم أقرب مِنْهَا إِلَى أَن تكون حجَّة لَهُم وَهَذَا بَين - وَللَّه الْحَمد - بل مَا ذكره الله عَن إِبْرَاهِيم يدل على أَنه كَانَ يثبت مَا ينفونه عَن الله؛ فَإِن إِبْرَاهِيم قَالَ: {إِن رَبِّي لسميع الدُّعَاء} وَالْمرَاد بِهِ: أَنه يستجيب الدُّعَاء كَمَا يَقُول الْمُصَلِّي سمع الله لمن حَمده وَإِنَّمَا يسمع الدُّعَاء ويستجيبه بعد وجوده؛ لَا قبل وجوده.

كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا وتشتكي إِلَى الله وَالله يسمع تحاوركما} . فَهِيَ تجَادل وتشتكي حَال سمع الله تحاورهما؛ وَهَذَا يدل على أَن سَمعه كرؤيته الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: {وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون} وَقَالَ: {ثمَّ جَعَلْنَاكُمْ خلائف فِي الأَرْض من بعدهمْ لنَنْظُر كَيفَ تَعْمَلُونَ} فَهَذِهِ رُؤْيَة مُسْتَقلَّة وَنظر مُسْتَقل وَقد تقدم أَن الْمَعْدُوم لَا يرى وَلَا يسمع مُنْفَصِلا عَن الرَّائِي السَّامع بِاتِّفَاق الْعُقَلَاء فَإِذا وجدت الْأَقْوَال والأعمال سَمعهَا وَرَآهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>