وجماع المساوئ فعل الشَّرّ كَمَا أَن جماع المحاسن فعل الْخَيْر. فَإِذا كَانَ يفعل الْخَيْر - بمشيئته وَقدرته اسْتحق " الْحَمد ". فَمن لم يكن لَهُ فعل اخْتِيَاري يقوم بِهِ؛ بل وَلَا يقدر على ذَلِك لَا يكون خَالِقًا وَلَا رَبًّا للْعَالمين.
وَالله تَعَالَى يحمد نَفسه بأفعاله، لقَوْله:{الْحَمد لله رب الْعَالمين} ، وَقَوله:{الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} ، {الْحَمد لله الَّذِي أنزل على عَبده الْكتاب} - وَنَحْو ذَلِك - فَإِذا لم يكن لَهُ فعل يقوم بِهِ بِاخْتِيَارِهِ امْتنع ذَلِك كُله. فَإِنَّهُ من الْمَعْلُوم بِصَرِيح " الْعقل " أَنه إِذا خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَلَا بُد من فعل يصير بِهِ خَالِقًا لَهَا؛ وَإِلَّا فَلَو اسْتمرّ الْأَمر على حَال وَاحِدَة وَلم يحدث فعلا، لَكَانَ الْأَمر على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل أَن يخلق وَحِينَئِذٍ فَلم يكن الْمَخْلُوق مَوْجُودا فَكَذَلِك يجب أَن لَا يكون الْمَخْلُوق مَوْجُودا إِن كَانَ الْحَال فِي الْمُسْتَقْبل مثل مَا كَانَ فِي الْمَاضِي لم يحدث من الرب فعل هُوَ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض.
وَقد قَالَ تَعَالَى:{مَا أشهدتهم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَا خلق أنفسهم} . وَمَعْلُوم أَنهم قد شهدُوا نفس الْمَخْلُوق فَدلَّ على أَن " الْخلق " الَّذِي لم يشهدوه وَهُوَ تكوينه لَهما وإحداثه لَهما؛ غير الْمَخْلُوق التَّالِي.