فاليهود لَهُم إرادات فَاسِدَة مَنْهِيّ عَنْهَا كَمَا أخبر عَنْهُم: بِأَنَّهُم عصوا وَكَانُوا يعتدون. وهم يعْرفُونَ الْحق وَلَا يعْملُونَ بِهِ فَلهم علم لَكِن لَيْسَ لَهُم عمل بِالْعلمِ وهم فِي الْإِرَادَة المذمومة الْمُحرمَة يتبعُون أهواءهم لَيْسُوا فِي الْإِرَادَة المحمودة الْمَأْمُور بهَا وَهِي إِرَادَة مَا يُحِبهُ الله وَرَسُوله.
وَالنَّصَارَى لَهُم قصد وَعبادَة وزهد لكِنهمْ ضلال يعْملُونَ بِغَيْر علم فَلَا يعْرفُونَ الْإِرَادَة الَّتِي يُحِبهَا الله وَرَسُوله بل غَايَة أحدهم تَجْرِيد نَفسه عَن الإرادات فَلَا يبْقى مرِيدا لما أَمر الله بِهِ وَرَسُوله كَمَا لَا يُرِيد كثيرا مِمَّا نهى الله عَنهُ وَرَسُوله.
وَهَؤُلَاء ضالون عَن مقصودهم فَإِن مقصودهم إِنَّمَا هُوَ فِي طَاعَة الله وَرَسُوله وَلِهَذَا كَانُوا ملعونين: أَي بعيدين عَن الرَّحْمَة الَّتِي تنَال بِطَاعَة الله عز وَجل.
و" الْعَالم الْفَاجِر " يشبه الْيَهُود. و " العابد الْجَاهِل " يشبه النَّصَارَى. وَمن أهل الْعلم من فِيهِ شَيْء من الأول وَمن أهل الْعِبَادَة من فِيهِ شَيْء من الثَّانِي. وَهَذَا الْموضع تفرق فِيهِ بَنو آدم وتباينوا تباينا عَظِيما لَا يُحِيط بِهِ إِلَّا الله. ففيهم من لم يخلق الله خلقا أكْرم عَلَيْهِ مِنْهُ وَهُوَ خير الْبَريَّة. وَمِنْهُم من هُوَ شَرّ الْبَريَّة.