الدار فلا توجد مغايرة الشهادتين، لأن الروح المذكور لم يشهد شهادة مستقلة غير شهادة الحواريين، بل شهادة الحواريين هي شهادته بعينها، لأن هذا الروح مع كونه إلهاً متحداً بالله اتحاداً حقيقياً برياً من النزول والحلول والاستقرار والشكل التي هي من عوارض الجسم والجسمانيات، نزل مثل ريح عاصفة وظهر في أشكال ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم يوم الدار، فكان حالهم كحال من عليه أثر الجن، فكما أن قول الجن يكون قوله في تلك الحالة فكذلك كانت شهادة الروح هي شهادة الحواريين، فلا يصح هذا القول بخلاف ما إذا كان المراد به النبي المبشر به، فإن شهادته غير شهادة الحواريين.
[٨] أن عيسى عليه السلام قال: (إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط فأما إن انطلقت أرسلته إليكم) . فعلق مجيئه بذهابه وهذا الروح عندهم نزل على الحواريين في حضوره لما أرسلهم إلى البلاد الإسرائيلية، فنزوله ليس بمشروط بذهابه، فلا يكون مراداً بفارقليط، بل المراد به شخص لم يستفض منه أحد من الحواريين قبل زمان صعوده، وكان مجيئه موقوفاً على ذهاب عيسى عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان كذلك، لأنه جاء بعد ذهاب عيسى عليه السلام، وكان مجيئه موقوفاً على ذهاب عيسى عليه السلام، لأن وجود رسولين ذوي شريعتين مستقلتين في زمان واحد غير جائز، بخلاف ما إذا كان الآخر متبعاً لشريعة الأول أو يكون كل من الرسل متبعاً لشريعة واحدة، لأنه يجوز في هذه الصورة وجود اثنين أو أكثر في زمان واحد ومكان واحد، كما ثبت وجودهم ما بين زمان موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام.