الإسلام دين واقعي لا يحلّق في أجواء الخيال والمثالية الواهمة، ولكنه يقف مع الإنسان على أرض الحقيقة والواقع، ولا يعامل الناس كأنهم ملائكة أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ولكنه يعاملهم بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
لذلك لم يفرض على الناس- ولم يفترض فيهم- أن يكون كل كلامهم ذكرا وكل صمتهم فكرا، وكل سماعهم قرانا، وكل فراغهم في المسجد، وإنما اعترف بهم وبفطرتهم وغرائزهم التي خلقهم الله عليها، وقد خلقهم سبحانه يفرحون ويمرحون ويضحكون ويلعبون، كما خلقهم يأكلون ويشربون.
ولقد بلغ السمو الروحي ببعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مبلغا ظنوا معه أنه الجد الصارم، والتعبد الدائم لا بد أن يكون ديدنهم، وأن عليهم أن يديروا ظهورهم لكل متاع الحياة، وطيبات الدنيا، فلا يلهون، ولا يلعبون بل تظل أبصارهم وأفكارهم متجهة إلى الاخرة ومعانيها بعيدة عن الحياة ولهوها. «١»