للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسمُ الثاني: تدليسُ الشيوخِ، وهوَ أنْ يرويَ عَنْ شيخٍ حديثاً سَمِعَهُ مِنْهُ، فيُسَمِّيَهُ، أو يَكْنِيَهُ أو يَنْسُبَهُ، أو يَصِفَهُ بما لا يُعْرَفُ بهِ كيْ لا (١) يُعرَفُ (٢)، مِثالُهُ: ما رُويَ لنا عَنْ أبي بكرِ بنِ مجاهِدٍ الإمامِ المقرئِ أنَّهُ رَوَى عَنْ أبي بكرٍ عبدِ اللهِ بنِ أبي داودَ السِّجِسْتانيِّ، فقالَ: حدَّثَنا عبدُ اللهِ بنُ أبي عبدِ اللهِ، وروى عَنْ أبي بكرٍ محمدِ بنِ الحسنِ النَّقَّاشِ (٣) الْمُفَسِّرِ المُقرئِ فقالَ: ((حدَّثَنا محمدُ بنُ سَنَدٍ، نسبَهُ إلى جدٍّ لهُ)) (٤)، واللهُ أعلمُ.

أمَّا القسمُ الأوَّلُ فمكروهٌ جدّاً، ذمَّهُ أكثَرُ العلماءِ (٥)، وكانَ شُعبةُ مِنْ أشدِّهِم ذَمّاً لهُ، فرُوِّيْنا عَنِ الشافعيِّ الإمامِ، عنهُ (٦) أنَّهُ قالَ: ((التدليسُ أخو الكَذِبِ)) (٧). ورُوِّيْنا


=وقال ابن حبان في ديباجة كتابه الصحيح: وهذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة وحده، فإنه كان يدلّس ولا يدلّس إلا عن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد لابن عيينة خبر دلّس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد تبين سماعه عن ثقة)).
(١) في (جـ): ((لئلاّ)).
(٢) قال الزركشي ٢/ ٧٦: ((أي: لكونه ضعيفاً أو متأخر الوفاة قد شارك الراوي عنه جماعة دونه في السماع منه، أو يكون أصغر من الراوي سنّاً، أو تكون أحاديثه التي عنده كثيرة فلا يحب تكرار الرواية عنه)). وانظر: محاسن الاصطلاح ١٦٧، ونكت ابن حجر ٢/ ٦١٥.
(٣) بفتح النون والقاف المشدّدة، هذه النسبة إلى من ينقش السقوف والحيطان وغيرهما، وكان أبو بكر المذكور في مبدأ أمره يتعاطى هذه الصنعة فعرف بها، ت (٣٥١ هـ‍).
ترجمته في: تاريخ بغداد ٢/ ٢٠١، وتاريخ دمشق ٥٢/ ٣٢٠، ووفيات الأعيان ٤/ ٢٩٨، وسير أعلام النبلاء ١٥/ ٥٧٣.
(٤) قال الزركشي ٢/ ٨١: ((يقتضي كراهة ذلك، ولهذا جعله تدليساً، وحكى ابن الموّاق في " بغية النقاد " خلافاً في نسبة الرجل إلى جده، واختار التفصيل بين المشهور به فيجوز ذلك، وإلاَّ فلا؛ لِما فيه من إبهام أمرهم وتعمية طريق معرفتهم)).
(٥) قال الزركشي ٢/ ٨١: ((أي: ومنهم من سهله، قال أبو بكر البزار في مسنده: التدليس ليس بكذب، وإنما هو تحسين لظاهر الإسناد)).
(٦) الضمير في قوله: ((عنه)) يعود على شعبة.
(٧) رواه ابن عدي في كامله ١/ ١٠٧، والبيهقي في مناقب الشافعي ٢/ ٣٥، والخطيب في الكفاية: (٥٠٨ ت، ٣٥٥ هـ‍).

<<  <   >  >>