للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ إنَّ الوَاضِعَ رُبَّمَا صَنَعَ (١) كَلاَماً مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَرَوَاهُ، ورُبَّمَا أخَذَ كَلاَماً لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ أو غيرِهِمْ فَوَضَعَهُ على رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (٢). ورُبَّمَا غَلِطَ غَالِطٌ فَوَقَعَ في

شِبْهِ الوَضْعِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ كما وقَعَ لثَابِتِ بنِ موسَى الزَّاهِدِ في حديثِ: ((مَنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ باللَّيْلِ، حَسُنَ وَجْهُهُ بالنَّهَارِ)) (٣).


=
- رواه ابن عدي في الكامل ١/ ٨٣ - ٨٥، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات ١/ ٩٦ - ٩٧ من حديث ابن عمر، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، ويعلى بن مرة.
قال ابن الجوزي: ((وهذه الأحاديث كلها لا تصح)). ثم بين عللها. وانظر: ما علقناه على شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٤٢٥ - ٤٢٦.
أما من حيث الدلالة - على فرض الصحة - فلا يتم لهم الاستدلال به لما يأتي:
- أن اللام في قوله: ((ليضل)) ليست للتعليل، بل للعاقبة والصيرورة، كما في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُوْنَ لَهُمْ عَدُوّاً وحَزَناً} (القصص: ٨). فإن آل فرعون لم يكن ذلك مقصدهم من التقاطه.
- يجوز أن تكون اللام للتوكيد، وعندئذٍ فلا يكون لها مفهوم. كما في قوله تعالى: {فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}. (الأنعام: ١٤٤). ومعلوم أن افتراء الكذب على الله تعالى محرم، سواء قصد الإضلال أم لم يقصد. وانظر: شرح المشكل عقب (٤٢٠)، ونكت الزركشي ٢/ ٢٨٧، ونكت ابن حجر ٢/ ٨٥٥.
(١) في (ب) و (م): ((وضع)).
(٢) كحديث: ((المعدة بيت الداء، الحمية رأس الدواء)). قال السخاوي: ((لا يصح رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب أو غيره)) المقاصد الحسنة (١٠٣٥).
وقال السيوطي: ((لا أصل له، إنما هو من كلام بعض الأطباء)). الدرر المنتثرة (٣٧١). وانظر: زاد المعاد ٤/ ١٠٤، وشرح التبصرة ١/ ٤٢٨.
(٣) رواه ابن ماجه (١٣٤٧). وراجع فيه: الضعفاء للعقيلي ١/ ١٧٦، والكامل ٢/ ٥٢٦، والموضوعات لابن الجوزي ٢/ ١٠٩، وتهذيب الكمال ٤/ ٣٧٨، والميزان ١/ ٣٦٧، والنكت الوفية: ١٨٦/ ب، والمقاصد: (١١٦٩) واللآلي ٢/ ١٨، والفوائد المجموعة: ٢٥.
وقد أشبع الحافظ العراقي الكلام عليه في شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٤٢٩ - ٤٣١، فراجعه مع ما علّقناه هناك.

<<  <   >  >>