للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عُيونِها؛ ولذلكَ كَثُرَ غَلطُ العاطلينَ (١) منهُ مِنْ مُصَنِّفِي الفقهاءِ، وظهرَ الخللُ في كلامِ الْمُخلِّينَ بهِ مِنَ العلماءِ. ولقدْ كانَ شأنُ الحديثِ فِيْمَا مَضَى عظيماً، عظيمةً جموعُ طَلبَتِهِ (٢)، رفيعةً مقاديرُ حُفَّاظِهِ وحملَتِهِ. وكانتْ علومُهُ بحياتِهِم حيَّةً، وأفنانُ فنونِهِ (٣) ببقائِهِم غَضَّةً (٤)، ومغانيهِ (٥) بأهلِهِ آهِلَةً (٦). فلمْ يزالُوا في انقراضٍ، ولَمْ يزلْ في اندراسٍ حتَّى آضتْ (٧) بهِ الحالُ إلى أنْ صارَ أهلُهُ إنَّما هُمْ شِرْذِمةٌ (٨) قليلةُ العَدَدِ (٩)


(١) في جميع النسخ الخطية: ((الغالطين))، وأشار ناسخ (أ) إلى أنها في نسخة: ((العاطلين))، وما أثبتناه من (م) و (ع) والتقييد، وهو الأجود معنًى.
(٢) قال الزركشي في نكته ١/ ٢٧: ((وهذا شيء كالمتواتر عند من نظر تراجمهم وأحوالهم)) ثمَّ ساق أمثلة كثيرة على ذلك، فراجعه تجد فائدة.
(٣) قال ابن حجر في نكته ١/ ٢٢٧: ((الأفنان: جمع فنن - بفتحتين - وهو الغصن، والفنون: جمع فنّ، وهو الضرب من الشيء، أي: النوع. ويجمع أيضاً على أفنان؛ لكن المراد هنا بالأفنان جمع فنن كما تقدّم)). وانظر: اللسان ١٣/ ٣٢٦.
(٤) قال ابن حجر في نكته ١/ ٢٢٧: ((غضّة، أي: طرية، وهي استعارة مناسبة للفنن، وفيه الجناس بين أفنان وفنون)). وانظر: الصحاح ٣/ ١٠٩٥.
(٥) في (أ): ((معانيه)) بالمهملة. قال ابن حجر ١/ ٢٢٨: ((المغاني - بالغين المعجمة -: جمع مغنى مقصور، وهو المكان الذي كان مسكوناً، ثمَّ انتقل أهله عنه؛ فكأنه أطلق عليه (مغنى)؛ باعتبار ما آل إليه الأمر، وكان قبل ذلك مسكوناً بأهله المستحقين له لا بغيرهم)). وانظر: اللسان ١٥/ ١٣٩.
(٦) قال ابن حجر ١/ ٢٢٨: ((فيه جناس خطي في قوله: بأهله آهلة، بوزن فاعلة)). وعن مصطلح الجناس الخطي ومفهومه، انظر: الإيضاح في علوم البلاغة ٢١٧.
(٧) الأيض: العود إلى الشيء، يقال: آضَ يئيضُ أيْضاً، أي: عاد. والأيض: الرجوع، يقال: آض فلان إلى أهله، أي: رجع إليهم، وآض كذا، أي: صار. وأصل الأيض: العود، تقول: فعل ذلك أيضاً، إذا فعله مُعاوداً له، راجعاً إليه. انظر: تاج العروس ١٨/ ٢٣٥.
(٨) الشرذمة - والدال لغة فيها -: الجماعة القليلة من الناس، ومنه قوله تعالى: {وإِنَّهُمْ لَشِرْذِمَةٌ لَنَا غَائِضُونَ}. وانظر: مقاييس اللغة ٣/ ٢٧٣، ومتن اللغة ٣/ ٣٠٠.
(٩) في (جـ): القدر.

<<  <   >  >>