أما البعض الذي هم غير متصفين به فهو ما اتصف به كفار مكة من عبادة الأوثان صريحًا. ولذا عطفهم عليهم؛ لاتصاف كفار مكة بما لم يتَّصف به أهل الكتاب من عبادة الأوثان، وهذه المغايرة هي التي سوغت العطف، فلا ينافي أن يكون أهل الكتاب مشركين بنوع آخر من أنواع الشرك الأكبر، وهو طاعة الشيطان والأحبار والرهبان.
فإن مطيع الشيطان إذا كان يعتقد أن ذلك صواب فهو عابد الشيطان مشركٌ -بعبادة الشيطان- الشركَ الأكبر المخلد في النار، كما بينته النصوص القرآنية، كقوله: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧)} [النساء/ ١١٧]، فقوله:{وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا} معناه: وما يعبدون إلا شيطانًا؛ لأن عبادتهم للشيطان طاعتهم له فيما حرمه اللَّه عليهم، وقوله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} الآية [يس/ ٦٠]، وقوله تعالى عن خليله إبراهيم: {يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤)} [مريم/ ٤٤]، وقوله تعالى:{بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} الآية [سبأ/ ٤١]، وقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} الآية [الأنعام/ ١٣٧]. فكل هذا الكفر بشرك الطاعة في معصية اللَّه تعالى.
ولما أوحى الشيطان إلى كفار مكة أن يسألوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الشاة تصبح ميتة من قتلها؟ وأنه إذا قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: اللَّه قتلها، أن يقولوا: ما قتلتموه بأيديكم حلال، وما قتله اللَّه حرام، فأنتم إذا أحسن من اللَّه! = أنزل اللَّه في ذلك قوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ