تقدم وجه الجمع بينه هو والآيات المشابهة له، كقوله تعالى:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود/ ١٠٧]، مع الآيات المقتضية لدوام عذاب أهل النار بلا انقطاع، كقوله:{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} الآية [الأنعام/ ١٢٨]، فقد بينا هناك أن العذاب لا ينقطع عنهم، وبينا وجه الاستثناء بالمشيئة.
وأما وجه الجمع بين الأحقاب المذكورة هنا مع الدوام الأبدي الذي قدمنا الآيات الدالة عليه، فمن ثلاثة أوجه:
الأول -وهو الذي مال إليه ابن جرير، وهو الأظهر عندي؛ لدلالة ظاهر القرآن عليه- هو: أن قوله: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (٢٣)} متعلق بما بعده؛ أي: لابثين فيها أحقابًا في حال كونهم {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥)}، فإذا انقضت تلك الأحقاب عذبوا بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق.
ويدل لهذا تصريحه تعالى بأنهم يعذبون بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق في قوله: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (٥٨)} [ص/ ٥٧ - ٥٨].
وغاية ما يلزم على هذا القول تداخل الحال، وهو جائز حتى عند من منع ترادف الحال كابن عصفور ومن وافقه.