قوله تعالى: {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة/ ١، ٢]. أشار اللَّه تعالى إلى القرآن في هذه الآية إشارة البعيد. وقد أشار له في آيات أخر إشارة القريب، كقوله:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء/ ٩]، وكقوله:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}[النمل/ ٧٦]، وكقوله:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ}[الأنعام/ ٩٢]، وكقوله:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ}[يوسف/ ٣]، إلى غير ذلك من الآيات.
وللجمع بين هذه الآيات أوجه:
الوجه الأول: ما حرَّره بعض علماء البلاغة من أن وجه الإشارة إليه بإشارة الحاضر القريب أن هذا القرآن قريب حاضر في الأسماع والألسنة والقلوب، ووجه الإشارة إليه بإشارة البعيد هو بُعْدُ مكانته ومنزلته من مشابهة كلام الخلق، وعما يزعمه الكفار من أنه سحر أو شعر أو كهانة أو أساطير الأولين.
الوجه الثاني: هو ما اختاره ابن جرير الطبري في تفسيره من أن ذلك إشارة إلى ما تضمَّنه قوله: {الم (١)}، وأنه أشار إليه إشارة البعيد لأن الكلام المشار إليه منقضٍ، ومعناه في الحقيقةِ القريبُ؛ لِقُرْبِ انقضائه، وضرب له مثلًا بالرجل يحدث الرجل فيقول له مرَّةً: واللَّه إن ذلك لكما قلت، ومرَّةً يقول: واللَّه إن هذا لكما قلت. فإشارة