هذه الآية الكريمة يتبادر من ظاهرها أنه تعالى أخبر بأنه لا يقسم بهذا البلد -الذي هو مكة المكرمة-، مع أنه تعالى أقسم به في قوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)} [التين/ ٣].
والجواب من أربعة وجوه:
الأول -وعليه الجمهور-: أن "لا" هنا صلةٌ، على عادة العرب؛ فإنها ربما لفظت بلفظة "لا" من غير قصد معناها الأصلي، بل لمجرد تقوية الكلام وتوكيده، كقوله: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ} [طه/ ٩٢ - ٩٣] يعني: أن تتبعني، وقوله:{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ}[الأعراف/ ١٢] أي: تسجد -على أحد القولين-، ويدل له قوله في سورة "ص": {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ} الآية [ص/ ٧٥]، وقوله:{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}[الحديد/ ٢٩] أي: ليعلم أهل الكتاب، وقوله:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}[النساء/ ٦٥] أي: فوربك، وقوله:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ}[فصلت/ ٣٤] أي: والسيئة، وقوله: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (٩٥)} [الأنبياء/ ٩٥] على أحد القولين، وقوله:{وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}[الأنعام/ ١٠٩] على أحد القولين، وقوله:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا}[الأنعام/ ١٥١] على أحد الأقوال الماضية.