لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من تنافي هذه العلة ومعلولها؛ لأن فتح اللَّه لنبيه لا يظهر كونه علة لغفرانه له.
والجواب عن هذا من وجهين:
الأول -وهو اختيار ابن جرير، لدلالة الكتاب والسنة عليه (١) -: أن المعنى: إن فتح اللَّه لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدل بدلالة الالتزام على شكر النبي لنعمة الفتح، فيغفر اللَّه له ما تقدم وما تأخر بسبب شكره بأنواع العبادة على تلك النعمة، فكأن شكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لازم لنعمة الفتح، والغفران مرتب على ذلك اللازم.
وأما دلالة الكتاب على هذا: ففي قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} [النصر/ ١ - ٣].
فصح في هذه السورة الكريمة بأن تسبيحه بحمد ربه واستغفاره لربه -شكرًا على نعمة الفتح- سبب لغفران ذنوبه، لأنه رَتَّبَ تسبيحه بحمده واستغفاره بالفاء على مجيء الفتح والنصر ترتيبَ المعلول
(١) كذا في الأصل المطبوع. وكأنه سقط من السياق قوله: "وهو الأقرب" أو نحوه قبل قوله: لدلالة الكتاب والسنة عليه.