للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في سورة الأنفال.

الوجه الثاني -هو ما رواه ابن جرير عن ابن عباس، واختاره ابن جرير: أن معنى قوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} أي: إلا لِيُقِرُّوا لي بالعبودية طوعًا أو كرهًا؛ لأن المؤمن يطيع باختياره، والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه جبرًا عليه.

الوجه الثالث -ويظهر لي أنه هو الحق؛ لدلالة القرآن عليه-: أن الإرادة في قوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} إرادة كونية قدرية، والإرادة في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} إرادة شرعية دينية.

فبيَّن في قوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} وقوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} أنه أراد بإرادته الكونية القدرية صيرورة قوم إلى السعادة، وآخرين إلى الشقاوة.

وبيَّن بقوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} أنه يريد العبادة بإرادته الشرعية الدينية من الجن والإنس، فيوفق من شاء بإرادته الكونية فيعبده، ويخذل من شاء فيمتنع من العبادة.

ووجه دلالة القرآن على هذا: أنه تعالى بيّنه بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء/ ٦٤]، فعمَّم الإرادة الشرعية بقوله: {إِلَّا لِيُطَاعَ}، وبيَّن التخصيص في الطاعة بالإرادة الكونية بقوله: {بِإِذْنِ اللَّهِ}، فالدعوة عامة والتوفيق خاص.

وتحقيق النسبة بين الإرادة الكونية القدرية والإرادة الشرعية

<<  <   >  >>