إشكال؛ إذ لا حجة مع الشيطان البتة، كما اعترف به فيما ذكر اللَّه عنه في قوله:{وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}
الثاني: أن معناه: أنه لا تَسَلُّطَ له عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه. فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء وغيرهما، فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة منه. فإلقاء الشيطان في أمنية النبي -سواء فسرناها بالقراءة أو التمني لإيمان أمته- لا يتضمن سلطانًا للشيطان على النبي، بل من جنس الوسوسة وإلقاء الشبه لصد الناس عن الحق، كقوله:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} الآية [النمل/ ٢٤].
فإن قيل: ذكر كثير من المفسرين أن سبب نزول هذه الآية الكريمة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ سورة النجم بمكة، فلما بلغ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)} ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإنَّ شفاعتهن لترتجى، فلما بلغ آخر السورة سجد وسجد معه المشركون والمسلمون، وقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم. وشاع في الناس أنَّ أهل مكة أسلموا، بسبب سجودهم مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى رجع المهاجرون من الحبشة ظنًا منهم أن قومهم أسلموا، فوجدوهم على كفرهم.
وعلى هذا الذي ذكره كثير من المفسرين، فسلطان الشيطان بلغ إلى حَدٍّ أَدْخَلَ به في القرآن على لسان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الكفرَ البواح، حسبما يقتضيه ظاهر القصة المزعومة.
فالجواب: أن قصة الغرانيق -مع استحالتها شرعًا- لم تثبت من