للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقول: إني لست مستقلًّا بعمل، وأني لا بدَّ أن تنفذ فيَّ مشيئته وإرادته على وفق العلم الأزلي، فأنا مجبور، فكيف يعاقبني على أمر لا قدرة لي أن أحيد عنه؟

فإن السني يقول له: كل الأسباب التي أعطاها للمهتدين أعطاها لك، جعل لك سمعًا تسمع به، وبصرًا تبصر به، وعقلًا تعقل به، وأرسل لك رسولًا، وجعل لك اختيارًا وقدرة، ولم يبق بعد ذلك إلا التوفيق وهو ملكه المحض، إن أعطاه فَفَضْلٌ، وان منعه فَعَدْلٌ.

كما أشار له تعالى بقوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)} [الأنعام/ ١٤٩]، يعني أن ملكه للتوفيق حجة بالغة على الخلق، فمن أُعْطِيَه ففَضْلٌ، ومن مُنِعَه فعَدْلٌ.

ولما تناظر أبو إسحاق الإسفرائيني مع عبد الجبار المعتزلي، قال عبد الجبار: سبحان من تنزه عن الفحشاء، وقصده أن المعاصي كالسرقة والزنى بمشيئة العبد دون مشيئة اللَّه؛ لأن اللَّه أعلى وأجل من أن يشاء القبائح في زعمهم.

فقال أبو إسحاق: كلمة حق أُريد بها باطل.

ثم قال: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء.

فقال عبد الجبار: أتراه يخلقه ويعاقبني عليه؟

فقال أبو إسحاق: أتراك تفعله جبرًا عليه؟ أأنت الرب وهو العبد؟

<<  <   >  >>