والعام الوارد في معرض المدح أو الذم اختلف العلماء في اعتبار عمومه، فأكثر العلماء على أن عمومه معتبر، كقوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)} [الإنفطار/ ١٣ - ١٤] فإنه يعم كلَّ بَرٍّ مع أنه للمدح، وكلَّ فاجر مع أنه للذم.
وخالف في ذلك بعض العلماء، منهم: الإمام الشافعي -رحمه اللَّه- قائلًا: إن العام الوارد في معرض المدح أو الذم لا عموم له؛ لأن المقصود منه الحث في المدح والزجر في الذم.
ولذا لم يأخذ الإمام الشافعي بعموم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة/ ٣٤] في الحلي المباح؛ لأن الآية سيقت للذم فلا تعم عنده الحلي المباح.
فإذا حققت ذلك، فاعلم أن العام الذي لم يقترن بما يمنع اعتبار عمومه أولى من المقترن بما يمنع اعتبار عمومه عند بعض العلماء.
الرابع: أنا لو سلمنا المعارضة بين الآيتين، فالأصل في الفروج التحريم، حتى يدل دليل لا معارض له على الإباحة.
الخامس: أن العموم المقتضي للتحريم أولى من المقتضي للإباحة؛ لأن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام، كما سيأتي تحقيقه -إن شاء اللَّه- في سورة المائدة. والعلم عند اللَّه تعالى.
فهذه الأوجه الخمسة التي بيَّنا يُرَدُّ بها استدلال داود الظاهري بهذه الآية الكريمة على جمع الأختين في الوطء بملك اليمين.
ولكنه يحتج بآية أخرى، وهي قوله تعالى: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ