إن قام البرهان على وجود موجود في هذه الجهة، فواجب أن يكون غير جسم، فالذي يمتنع وجوده هناك هو عكس ما ظنَّه القوم فهو موجود هو جسم، لا موجود ليس بجسم، وليس لهم أن يقولوا: إنَّ خارج العالم خلاء، وذلك أنَّ الخلاء يبين في العلوم النظرية امتناعه، لأن ما يدل عليه اسم الخلاء ليس هو شيئًا، أكثر من أبعاد ليس فيها جسم، أعني طولًا وعرضًا وعمقًا، لأنه إنْ رفعت الأبعاد عنه عاد عدمًا، وإن أنزل الخلاء موجودًا، لزم أن يكون أعراضًا موجودة في غير جسم، وذلك أنَّ الأبعاد، هي أعراض من باب الكمية ولا بد، ولكنه قد قيل في الآراء السالفة القديمة والشرائع الغابرة؛ أنَّ ذلك الموضع هو مسكن الروحانيين، يريدون الله والملائكة، وذلك أنَّ الموضع هو ليس بمكان فلا يحويه زمان، فكذلك إنْ كان كل ما يحويه الزمان والمكان فاسدًا، فقد يلزم أن يكون ما هنالك غير فاسد ولا كائن، وقد تبين هذا المعنى مما أقوله؛ وذلك أنه