للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا حق معلوم أيضًا، بالأدلة العقلية والشرعية، بل بالضرورة، وقالت النفاة: إنه قد يعلم بنوع من دقيق النظر أن هذا باطل، فالفريقان اتفقوا على أن الوهم والخيال يقبل قول المثبتة، الذي ذكرت أنهم يصفونه بالأجزاء والأبعاض، وتسميهم المجسمة، فهو يقبل مذهبهم لا نقيضه في الذات.

فصل

التخيل والوهم الصحيح، لا يتصور الموجود معدومًا. فعلم أن إنكار الفطرة لذلك ورد التخيل والوهم له، لما فيه من الأمور العدمية، كالتناقض الذي فيه؛ لا لعظمته في الوجود. والذي يوضح هذا أن كثيرًا من الخطباء والقصاص إذا أخذوا يصفون الرب ويعظمونه بهذه الصفات السلبية أخذت العامة -الذين لا يفهمون حقيقة ما يقولون وإنما يستشعرون من حيث الجملة أن هذا تعظيم للرب- يسبحونه ويمجدونه، فلو [لا] أنهم تخيلوا وتوهموا أن هذا السلب متضمن لوجود عظيم كبير، وإلا لم يكونوا كذلك، فعلم أنهم لم ينكروه لما فيه من الأمور الوجودية؛ بل هم يتخيلون الموجود العظيم في الجملة؛ ولكن إذا فهموا حقيقة هذه الألفاظ، وما تشتمل عليه من الأمور العدمية، أنكروه حينئذ وردته فطرتهم؛ وذلك لأن السلب والعدم ليس فيه مدح أصلًا ولا تعظيم، فعلم أنه لا تعظيم فيها عند من توهمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>