وهذا الكلام أبعد ممن يقول بتخصيص العالم بوقت دون وقت، وصفة دون صفة، إنما كان لأن العلم القديم تعلق به على ذلك الوجه، كما قال ذلك طوائف من المتكلمين من الأشعرية وغيرهم، كما سيأتي بيانه. مثل أن هؤلاء جعلوا العلم مخصصًا لما أريد، وهؤلاء المتفلسفة جعلوا العلم مخصصًا لما لم يرد عندهم. والكلام على هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال: لا نسلم أن هذا مخلصًا، ولا أنه واقع ولا ممكن، كيف نعلم أنه لا مخلص غيره، وهم لم يذكروا حجة على ذلك، ولا يمكنهم أن يقيموا عليه حجة أصلًا.
الوجه الثاني: أن يقال: العلم أبدًا تابع للمعلوم مطابق له، ثم قد يكون سببًا في وجود المعلوم، كالعلم بما يفعله العالم، مثلما ذكره من علم الرب تعالى بالنظام الكلي، وقد لا يكون سببًا، كالعلم بالأمور التي لا تكون بفعل الإنسان ولا بقصده، ثم من الناس -من المتفلسفة ونحوهم- من يجعل العلم مطلقًا صفة فعلية، أو يجعله هو وحده الموجب للمعلوم، وهو غلط كما سنبينه. ومنهم -من المتكلمين وغيرهم- من يجعله أبدًا صفة