أن الله تعالى فوق العالم، ولا يخطر بقلوبهم، تقدير وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه حتى ينفوه، إذ الأقوال المنافية للإيمان لا يجب أن تخطر لكل مؤمن؛ لكن لما حدث من ابتدع هذا النفي، تكلم المسلمون في رده: تارة ببيان أن الله تعالى فوق خلقه من غير تعرض لغيره، وتارة ببيان استحالة نقيض ذلك، وتارة ببيان استحالة موجود لا داخل العالم ولا خارجه، ومن علم أن الله عز وجل فوق العالم، نفى أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه، وأما هل يمكن وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه؟ فقد يخطر بقلبه، وقد لا يخطر.
الوجه الثالث: أن هذه الحجة المذكورة، ليست نظير ما ذكره من حجة الدهرية، وذلك أن هؤلاء قالوا: الخالق والمخلوق موجودان، فكل موجودين فإما أن يكون أحدهما حالًّا في الآخر أو بائنًا عنه. وكذلك إذا قيل: إما أن يكون أحدهما داخلًا في الآخر أو خارجًا منه. وكذلك إذا قيل: إما أن يكون أحدهما متصلًا بالآخر مقارنًا له أو منفصلًا عنه بائنًا منه، ثم قالوا: وليس هو فيه، فوجب أن يكون خارجًا منه. وهذا مقصودهم، فنظيره أن يقال: البارئ والعالم موجودان، وكل موجودين فإما أن يكون وجودهما معًا وهما متقارنان، وإما أن يكون أحدهما قبل الآخر، وليس مع العالم مقارنًا له، فوجب أن يكون متقدمًا عليه. وهذا حق. فهذا تمام الموازنة والمعادلة بين الحجتين.