لكن يقال لهؤلاء الفلاسفة: لا ريب أنكم أنتم وهؤلاء، كلاكما مخالفون لما نطقت به الكتب الإلهية، كما أنكم مخالفون لصرائح المعقولات، ومن وافق ظالمًا في ظلمه، كان جزاؤه أن يقال له:{وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}[الزخرف: ٣٩] وأنت قد اعترفت أن الأخبار الإلهية ناطقة بأن صورة العالم -أي صورة السموات والأرض- محدثة.
وأما قولك:«إن ظاهر الشرع أن نفس الوجود والزمان مستمر من الطرفين» فليس في القرآن ما يدل ظاهره على أن وجودًا غير وجود الله، أو زمانًا موجودًا خارجًا عنه، هو مقارن لوجوده، وما ذكرته إنما يدل على أن العرش، كان قبل السموات وهذا حق، لكن ليس فيه أن وجود العرش أزلي، وقد جاء ذكر خلقه في الأحاديث كحديث أبي رزين الآتي ذكره، مع ما في القرآن من أنه رب العرش، وأمثال ذلك، وكذلك ما فيه من ذكر زمان قبل هذا الزمن، المتعلق بحركة الفلك، لا يدل على أن ذلك قديم أزلي مقارن لوجود الله تعالى، وكذلك ما فيه من ذكر مادة لخلق السموات والأرض لا يقتضي أن تلك المادة قديمة أزلية، هذا مع ما في القرآن من أنه {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الزمر: ٦٢] في غير موضع، و {رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ}[الأنعام: ١٦٤]