الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧) } [الفاتحة: ٦-٧] فإن المغضوب عليهم هم أهل الشقاء. والضالون أهل الضلال. وهم الذين اتبعوا هداه فلم يضلوا ولم يشقوا، بل أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون، وقال أيضًا: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) } [القمر: ٤٧] و «السعر» من أعظم الشقاء. وهذا باب واسع.
وإنما المقصود هنا التنبيه على هذا الأصل، وهو أن من أعرض عن هدى الله علمًا وعملًا، فإنه لا يحصل له مطلوب ولا ينجو من مرهوب، بل يلحقه من المرهوب أعظم مما فر منه، ويفوته من المطلوب أعظم مما رغب فيه. وأما المتبعون لهداه فإنهم على هدى من ربهم، وهم المفلحون الذين أدركوا المطلوب، ونجوا من المرهوب.
وهذا الذي شهد الله تعالى به في كتابه -وكفى به شهيدًا- قد يرى العباد آيته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، فتتفق عليه الأدلة المسموعة والمشهودة -[التي] هي أصل العلوم الضرورية والنظرية القياسية التي ينتحلها أهل النظر وأهل الذوق- فتكون الأدلة الحسية والضرورية والقياسية موافقة للأدلة السمعية، من الكتاب والسنة وإجماع المؤمنين، والمخالفون لهذا مخالفون لهذا، وإن ادعوا في الأول من