«يجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة، أن يفحص عن منافع جميع الموجودات. وأما دلالة الاختراع، فيدخل فيها وجود الحيوان كله، ووجود النبات ووجود السموات، وهذه الطريقة تنبني على أصلين، موجودين بالقوة في جميع فطر الناس:
أحدهما: أن هذه الموجودات مخترعة. وهذا معروف بنفسه في الحيوان والنبات، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}[الحج: ٧٣] الآية؛ فإنا نرى أجسامًا جمادية، ثم تحدث فيها الحياة، فنعلم قطعًا، أن هاهنا موجدًا للحياة ومنعمًا بها، وهو الله تبارك وتعالى، وأما السموات فنعلم من قبل حركاتها التي لا تفتر، أنها مأمورة بالعناية بما هاهنا، ومسخرة لنا، والمسخر المأمور، مخترع من قبل غيره ضرورة.
وأما الأصل الثاني: فهو أن كل مخترَع فله مخترِع، فيصح من هذين الأصلين أن للموجود فاعلًا مخترعًا له، وفي هذا الجنس دلائل كثيرة على عدد المخترعات.