انفعالية مطابقة للمعلوم، لا يكسبه صفة ولا يكتسب عنه صفة، ويقول فيه وفي القول: ليس لمتعلقهما منها صفة ثبوتية، وهذا وإن كان أقرب إلى الصواب من القول الأول ففيه تقصير؛ بل الصواب أنه يجتمع في جنسه الأمران، إذ الأولون يسلمون أنه عالم بنفسه، وهذا ليس مؤثرًا في المعلوم، والآخرون يقولون: الإرادة مشروطة بالعلم، وهذا اعتراف بتوقف المفعول عليه؛ لكن المقصود الكلام في العلم الذي له تأثير في المعلوم وهو العلم العملي، فنقول:
من الأمور المعلومة بالفطرة البديهية الضرورية، أن الإنسان إذا عمل عملًا بإرادته، يجد من نفسه أنه يكون شاعرًا بما يريد أن يفعله، وأنه مع الشعور لا بد أن يكون مريدًا، ولا بد مع هذين أن يكون قادرًا عليه، ويجد من نفسه أن إحساسه وشعوره يقتضي إرادة الفعل ومحبته، وأن له شعورًا بما يفعله لأجله، وشعورًا بالحب والإرادة التي في نفسه لذلك المطلوب، وشعورًا بالفعل الذي يتوصل به إليه. فهذه أربع حقائق: مراد مطلوب بالفعل؛ وإرادة في النفس له، وفعل موصل إليه، وإرادة لذلك الفعل، كالطعام مثلًا، والشعور يتعلق بهذه الأربعة، فإنه إذا أخبر بالطعام وهو جائع أحس من نفسه بشهوته ومحبته، فأراد أكله، ومقصوده بذلك وجود لذة الأكل ودفع ألم الجوع؛ وهو يفرق بين نفس الأعيان واللذة بها وبين إرادة ذلك، ثم يريد الأكل الموصل إلى المطلوب، ويفعل هذا الفعل. وهكذا في شهوة النكاح، وهكذا في جميع الأفعال من العبادات وغيرها، والعلم سابق للإرادة