فظهر أن ما أضعف به الحجة أفادها به قوة إذ العادات العامة لجميع الأمم من أعظم العادات وأصحها وبنو آدم لا يأتون من جهة ما اتفقوا عليه فإنهم لا يتفقون إلا على حق وإنما يأتون من جهة تفرقهم واختلافهم كما قال تعالى وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {١١٨} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ [هود ١١٨-١١٩] ولهذا كانوا مفطورين على الإقرار بالصانع والدين له فهذا الذي اجتمعوا عليه حق ولكن تفرقوا في الشرك فكل قوم لهم رأي وهوى يخالفون به الآخرين قال تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {٣٠} مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {٣١} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ {٣٢}[الروم ٣٠-٣٢] ولهذا وصف الله نبيه وأمته بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والمعروف الذي تطلبه القلوب وتريده بقطرتها إذا علمته والمنكر الذي تبغضه وتكرهه إذا علمته فإذا كان بنو آدم متفقين على هذه العادة التي مضمونها الرفع إلى الله حين الدعاء وكان ذلك يتضمن قصدهم للإله الذي هناك كان هذا من أعرف المعروف عند جميع بني آدم