وهذا معنى قولهم الحيز وتقدير المكان وكذلك الذهن يقدر أن هذه الأزمنة لها دهر يحيط بها ويقدر فيه تعاقبًا كتعاقب الأزمنة وتقدير هذا الدهر مع عدم هذه الأزمنة وليس الغرض هنا الكلام بأن هذا الدهر والحيز هل هو وجودي كما يقوله بعض الناس أو هو عدمي لا وجود له في غير الذهن كما يقوله الجمهور وإنما الغرض ذكر مقايسة أحدهما بالآخر وقد علم أنه لابد من وجود واجب وأن هذا لا يمكن النزاع فيه وذلك هو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء ولا ريب أنه لم يزل موجودًا وأنه يمتنع عدمه فإن وجوب الوجود ينافي جواز العدم فضلاً عن وقوعه ولا نزاع بين من يقول بحدوث العالم أو تقدمه ووجوبه عنه في أنَّ العالم مفتقر إليه محتاج إليه وأنه متقدم عليه بالمرتبة والغلبة والذات وهؤلاء أيضًا قد يقولون العالم محدث ويعنون حدوثه وجوده بالرب ووجوبه به وافتقاره إليه لا يشترطون في المحدث أن يكون معدومًا ثم يوجد والمعروف في اللغة ما هو عُرْفُ أهل الكلام وغيرهم أن المحدث ما كان بعد أن لم يكن بل المحدث في اللغة أخص من المحدث عند أهل الكلام فإن المحدث والحدث يقابل القديم والمتقدم