المقصود تمثيل من يقول إنه في كل مكان بمن يقول إنه مقارن للوجود وأن كلا القولين في الحقيقة يوجب افتقاره إلى المخلوقات ويمنع أن يكون واجب الوجود وأن أصحاب هذه الأقوال وإن قالوا مع ذلك هو مباين للعالم وفوقه أو قالوا هو قبل العالم ومتقدم عليه فلا حقيقة لكلامهم بل قولهم صريح في معنى ذلك والتكذيب به ومن قال منهم ليس بداخل العالم ولا بخارجه فهو كمن قال لا قبل العالم ولا معه وكل من هؤلاء ينازع في أنه رب العالمين وخالقه وفي إنه إله العالم المعبود لا يثبتون حقيقة ربوبيته ولا حقيقة إلهيته بل هم مشركون به وجاحدون معطلون وإن كان جهمية المتفلسفة أشد إشراكًا وجحودًا من جهمية المتكلمين لكون هؤلاء أقرب إلى دين المرسلين الذين جاءوا بالحق المبين سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ {١٨٠} وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ {١٨١} وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {١٨٢}[الصافات ١٨٠-١٨٢] وقد بينا في غير هذا الموضع أن قولهم بقدم العالم يوجب القول بقدم جميع الحوادث وذلك مخالف للمشاهدة وأنهم إذا قالوا هو علة تامة امتنع أن يحدث عنه شيء بواسطة أو بغير واسطة فإن الواسطة إذا كانت قديمة لزم قدم معلولها وإن كانت محدثة فالقول في حدوثها كالقول في حدوث ما يحدث عنها