الوجه الثاني أنه لو فرض أنه أخبر عن شيء من الغيب بأنه في قلوب العباد لم يكن ما ذكر من الضرورة مانعة من ذلك لأن الضرورة تمنع أن تكون الأشياء التي نشاهدها في قلوبنا ونحن لا نشاهد كذلك أما إذا أخبرنا بأن الملائكة تنزل على قلوبنا أو الشياطين تنزل أو أن على أفواهنا ملائكة تكتب كلامًا ونحو ذلك من الأمور الغائبة التي ليست من جنس المشاهدات لنا فإذا أخبرنا بوجودها لم نعلم بالضرورة انتفاء ذلك فقول القائل نعلم بالضرورة أنه ليس في صدورنا أصبعان بينهما قلوبنا يقال له المعلوم بالضرورة أن الأصابع التي شهدناها مثل أصابع الآدميين ليست في صدورنا أما لو أخْبِرنا أن أصابع الملائكة أو الجن في صدورنا لم نعلم انتفاء ذلك كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من مولود إلاّ يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه