محايثًا لغيره أو مباينًا له. وقولك إن هذا مثل قول الفيلسوف الدهري: الموجودان إما أن يكون أحدهما مع الآخر أو قبله، هو أيضًا معلوم لي، وقولك إن هذا يستلزم تقدم العالم. أنا لا أجزم بهذه الملازمة نفيًا ولا إثباتًا.
وقد يقول أيضًا: أنا لا أنظر في هذه المعارضة، وسواء جزمتُ بثبوت الملازمة، أوانتفائها أو لم أجزم بشيء، فأقول: لا يخلو إما أن يكون ما ذكرته مستلزمًا للقول، بقدم جسم من الأجسام أو لا يكون، فإن لم يكن مستلزمًا بطلت المعارضة، وإن كان مستلزمًا لقدم جسم من الأجسام، فليس علمي بحدوث الأجسام الذي تسميه حدوث العالم، أبين عندي من العلم بهذه القضية؛ إذ هذه المقدمة ضرورية فطرية، وتلك تحتاج إلى مقدمات طويلة خفية، وفيها نزاع كثير.
ولا أيضًا دلالة الكتاب والسنة على حدوث جميع الأجسام، بأظهر من دلالة الكتاب والسنة على أن الله تعالى فوق العالم؛ بل القرآن مملوء بما يدل على أن الله تعالى فوق العالم، وهو دال على أن الله خلق السموات والأرض، وما بينهما في ستة أيام، ولكن هو يذكر مع ذلك أنه استوى على العرش، والذي نطق به القرآن في جميع الآيات لا يمكن أن يستدل به على أن جميع الأجسام محدثة، إلا بتوسط مقدمات مستنبطة: بأن يبين أن هذا المذكور في القرآن هو الأجسام، وأن لا جسم إلا ما أخبر بخلقه. وأما دلالة القرآن على العلو، فلا تحتاج إلى مقدمات