وقد تبين بما ذكرناه أن الحديث الذي فيه أتاني ربي في أحسن صورة ووضع يده بين كتفي إنما كان في المنام بالمدينة ولم يكن ذلك ليلة المعراج كما يظنه كثير من الناس وكنت مرة بمجلس فيه طوائف من أصناف العلماء في مجلس ابتداء تدريس لشيخ الحنفية وجرى ذلك هذا الحديث فظنوا أنه كان ليلة المعراج فقلت هذا لم يكن ليلة المعراج فإن هذا كان بالمدينة كما جاء مصرحًا به والمعراج إنما كان بمكة كما قال تعالى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء ١] وهذا مما تواترت به الأحاديث واتفق عليه أهل العلم أن المعراج الذي ذكره الله تعالى في القرآن والذي فيه فرض الصلوات الخمس إنما كان بمكة ولم يكن بعد الهجرة ونفس ما في الحديث بين ذلك فإنه ذكر فيه اختصام الملأ الأعلى في المشي على الأقدام إلى الجمعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وهذا إنما شرع في المدينة إذ لم تشرع الجمعة بمكة وهذا مما لم يَرْتَبْ فيه العلماء وإنما وقع ذلك في أحاديث ابن عباس الثابتة عنه كحديث عكرمة ونحوه لأن ابن عباس قد ثبت عنه أنه كان يثبت في رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربع بفؤاده في مكة كما ذكر ذلك