أن أقول بثبوت النقيضين جميعًا، أو انتفائهما جميعًا؛ لا يقتضي أن أثبت الزمانية وأنفي المكانية، فإذا كنت قد فرقت بينهما بإثبات هذه ونفي الأخرى، أكون مخطئًا في هذا التفريق، لم يتعين خطئي في المكانية حتى أنفيها وأسوِّي الأخرى بها في النفي، بل إذا سويت بينهما في الإثبات، يلزمني أن أقول: إن واجب الوجود مباين للعالم، وإذا سويت بينهما في النفي، وسُلِمَ أن ذلك يبطل دلالة هذه الحجة على قدم العالم، كان غاية ما يلزمني إما بطلان القول بقدم العالم، وإما بطلان دليل معين يدل على قدمه، ولا ريب أن قدم العالم أو صحة هذه الحجة، أخفى وأبعد عن المعلوم بالفطرة، من كون واجب الوجود تعالى فوق العالم، فإن الإقرار بهذا ثابت في الفطرة، وقد تواتر عن الأنبياء والرسل القول به، فإذا كان على أحد التقديرين، أخالف المعلوم بفطرتي من العلوم الضرورية، فأنفي كل واحد من القضيتين، وأخالف الأنبياء والمرسلين، وعلى الآخر إنما أخالف الحجج الدالة على قدم العالم، وأبطل هذه الحجة المعينة، كانت مخالفة هذه أولى في عقل كل عاقل. وهذا الكلام في غاية الإنصاف والبيان.
فعلم أن ما ذكروه من المعارضة لم يندفع به واحد من الطائفتين، لا في المناظرة ولا في نظر الإنسان بينه وبين ربه تعالى، ولكن أوهموا هؤلاء بهؤلاء، وهؤلاء بهؤلاء، والتزموا