والتنزيه، هو مما اتبعتم فيه المعتزلة نفاة الصفات، فإنهم فسروا التوحيد بتفسير لم يدل عليه الكتاب والسنة ولا قاله أحد من سلف الأمة وأئمتها، كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى؛ وادعوا أن من أثبت الصفات لم يكن موحدًا، لأن الواحد عندهم -الذي لا يعقل فيه- ما تميز منه شيء عن شيء أصلًا، وثبوت الصفات يقتضي الكثرة، والذي جعلوه واحدًا لا ينطبق إلا على معدوم ممتنع، كما سيأتي بيانه.
ومن المعلوم أن التوحيد الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه *والتنزيه الذي بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه*، هو ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع؛ مثل عبادة الله وحده لا شريك له، فمن عبد غيره كان مشركًا ولم يكن موحدًا، وإن أقر أنه خالق كل شيء، كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (١٠٦) } [يوسف: ١٠٦] وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[لقمان: ٢٥] وقال تعالى: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٨٥) } [المؤمنون: ٨٤-٨٥] وقال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[البقرة: ١٦٣] وقال تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ}[النحل: ٥١] وأمثال هذه الآيات.
وأما تفسير التوحيد بما يستلزم نفي الصفات، أو نفي علوه على العرش؛ بل بما يستلزم نفي ما هو أعم من ذلك، فهو شيء