الصانع ومن مثبتيه من الشبهة النافية لوجوده أو لفعله، فإنه يلزمهم أعظم منه على قولهم: بأن العالم قديم واجب الوجود بنفسه، مستغن عن صانع، وقولهم: بأنه معلول عن علة موجبة. فتدبر هذا.
وأصل ذلك أن الله ليس كمثله شيء، لا في نفسه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا مفعولاته؛ فإذا رام الإنسان أن ينفي شيئًا ما يستحقه، لعدم نظيره في الشاهد، كان ما يثبته بدون الذي نفاه أبعد عن المشهود: مثل أن يثبت الصفات بلا حقيقة الذات، أو الذات بلا صفات، أو يثبتهما بدون فعل يقوم بنفسه؛ أو يثبت ذلك لازمًا لذاته، أو يقول: إن هذا المحسوس هو القديم الواجب الوجود بنفسه، أو يقول حدث بنفسه. فكل هذه المقالات النافية يلزم كل قول منها من المعارضات أعظم مما أورده هو على أقوال المثبتين، فلا خلاص عنها بحال، إذ الوجود مشهود محسوس، ولا يخلو إما أن يكون قديمًا واجبًا بنفسه، أو محدثًَا بإحداث غيره، وممكنًا ومفتقرًا إلى واجب بنفسه، وإذا كان لا بد من الاعتراف بالوجود القديم الواجب، وكان من نفي الرب الصانع الخالق السموات والأرض لشبهة يذكرها، يلزمه مع هذا هي، وما هو أعظم منها، علم أن كل ما يذكره النفاة من الشبهة النافية للرب أو صفاته أو أفعاله حجج باطلة متناقضة؛ إذ كان يلزم من صحتها نفي الوجود بالكلية، وما استلزم نفي