الإنسان عما يجده مكتوباً بغير الخط الذي يعرفه فإنه لما لم يعرف المكتوب فإنه يجعل الورق غلافاً لغيره ووقاية له كما يفعل الناس في الرقوق التي لا يدرون ما كتب فيها وقد يكون فيها من الكلام ما لو عرفوه لم يفعلوا به ذلك كالكتب المعربة وعدم فهم اللفظ كعدم فهم الخط كلاهما يسقط حرمة الكلام من القلب بخلاف ما إذا كان فهمه ممكنا فإنه إذا اعتقد عظمته تعلقت همته بطلب فهمه واشتغل بذكر ربه والتفكر في كلامه فانتفع بذلك ولهذا يفكر الإنسان فيما أشكل عليه فتكون فكرته فيه سبباً لجمع همته وإقباله على الله تعالى وعلى عبادته واشتغاله بذلك عما تهواه الأنفس ومن الأهواء الرديئة ثم إذا فهم بعض الحق وجد فيه حلاوة وذلك يدعوه إلى طلب الباقي قال تعالى أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)[محمد ٢٤] وقال كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)[ص ٢٩] وقال تعالى أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٩)[الرعد ١٩] فإن كون الكلام حقًّا أو باطلاً هو