يزيد من جوارحه جارحة، فيدله ذلك على أنه في وقت نقصه، وأوان ضعفه عن فعل ذلك أعجز؛ وقد يرى نفسه شابًّا، ثم كهلًا ثم شيخًا، وهو لم ينقل نفسه من حال الشباب والقوة إلى حال الشيخوخة والهرم، ولا اختاره لنفسه، ولا في وسعه أن يزايل حال المشيب ويراجع قوة الشباب، فيعلم بذلك أنه ليس هو الذي فعل هذه الأفعال بنفسه؛ وأن له صانعًا صنعه، وناقلًا نقله من حال إلى حال، ولولا ذلك لم تتبدل أحواله بلا ناقل ولا مدبر.
فإن قيل: إن النطفة قديمة، وفيها قوة قابلة للاغتذاء، فإذا وقعت في الرحم، والطبائع معتدلة، قبلت بالقوة التي فيها الاغتذاء والتربية، حتى تستوي جارحة، ويتم بها خلقه.
قيل: لو كانت النطفة قديمة، كما زعمتم لم يجز عليها الانقلاب والتغير؛ لأن التغير والانقلاب من سمات الحدث، فبطل أن يكون المنقلب المتصرف قديمًا.
فأما ما ادعوه من قبول النطفة، بما فيها من القوة والاغتذاء والتربية، فإن ذلك لا ينكر، إذا صح العلم به من طريق العادات، ولكن الذي ننكره من ذلك، أن يكون هذا الفعل