للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان جوابنا أن للجمع بين الآيتين ثلاثة أوجه:

الأولى: أن معنى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أمرنا المتنعمين من أهلها باتباع الرسل، وتصديقهم فيما جاءوا به من عندنا، {فَفَسَقُوا فِيهَا} يعني فخرجوا عن طاعتنا، وكذبوا رسلنا، ولجوا في كفرهم وطغيانهم، فدمرناهم تدميرًا.

وعلى هذا التفسير فمتعلق {أَمَرْنَا} هو الإيمان واتباع الرسل، فلا ينافي قوله: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ}.

والوجه الثاني: أن الأمر في قوله: {أَمَرْنَا} أمر قدري تكويني، لا شرعي، وعليه فمعنى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} قدرنا عليهم الفسوق والكفر، والأمر القدري التكويني مثل قوله للذين اعتدوا في السبت: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥)} [البقرة/ ٦٥].

والكفر واقع بإرادته الكونية لا بإرادته الشرعية، بدليل قوله في إرادته الكونية: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام/ ١٠٧]، وقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة/ ١٣]، وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام/ ٣٥]، وقوله في إرادته الشرعية: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء/ ٦٤]، وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات/ ٥٦].

واعلم أن الإرادة الكونية أعم من الرضى؛ لأن اللَّه جل وعلا يريد بإرادته الكونية ما هو مرضيّ عنده كإيمان المؤمنين، ويريد بها ما ليس مرضيًّا عنده ككفر الكافرين.

<<  <   >  >>