فدل ظاهر الآيتين الكريمتين على أن العداوة والبغضاء بين فرق اليهود كائنة إلى يوم القيامة، وكذلك بين فرق النصارى، ولا شك أن الحروب الواقعة بينهم من آثار تلك العداوة والبغضاء التي أغراها اللَّه بينهم بسبب نسيانهم العهد الذي أخذ عليهم، كما دل عليه الفاء من قوله:{فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} إذ تقرر عند علماء الأصول أن الفاء من الحروف الظاهرة في العلة نحو: "سها فسجد"، و"سرق فقطعت يده"، كما نصوا عليه في مسلك النص.
واعلم أن قوة اليهود ودولتهم التي ذكرنا أشبه شيء بالجلود التي تجدد لأهل النار ليذوقوا العذاب؛ لأن تلك القوة المذكورة يكون عليهم بسببها العذاب الواقع بهم، والنكال الذي لا يفارقهم أبدًا أشد وقعًا عليهم؛ لأن اللَّه تعالى أخبر في كلامه الذي لاشك في صدقه أنه لابد أن يسلط عليهم من يعذبهم وينكل بهم، ويهينهم إلى يوم القيامة حيث قال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}[الأعراف/ ١٦٧]، لأنهم ما داموا متفرقين في البلاد لا قوة لهم لم يظهر عظم موقع النكال بهم.
ثم سألنا بعض طلبة العلم عن الحديث الثابت في قتال المسلمين مع الترك، وطلب منا أن نبين له اشتقاق المطرقة في قوله صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم في الحديث المذكور:"كأن وجوههم المجان المطرقة".
فكان جوابنا أن قلنا: الحديث المذكور هو قوله صلى اللَّه عليه