الجكنيين كانوا في تلك البلاد، وجمعوا لنا هدايا سنية، ومكثنا في قرية "النعمة" إحدى عشرة ليلة في غاية الإكرام والتبجيل بحمد اللَّه الكريم الجليل، وزارنا بعض من فيها من الفضلاء وسألونا عن مسائل، منها: مسألة سلم الكاغد المتعامل به في فلوس النحاس؛ فأجبناهم بالجواب المتقدم.
ومما سألونا عنه تحقيق النسبة التي بين القدم والأزل في اصطلاح المتكلمين، وأن نكتب لهم كلامًا في ذلك.
فأجبناهم بأن بعض المحققين من المتكلمين ذكر أن النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق، فالأزل أعم مطلقًا، والقدم أخص مطلقًا.
وإيضاح ذلك: أن الأزل في اصطلاح المتكلمين عبارةٌ عما لا افتتاح له مطلقًا، وجوديًّا كان أو عدميًّا، فالأزلي عندهم وجودي وعدمي.
فالأزلي الوجودي: ذات مولانا جل وعلا، وصفاته الوجودية العلية. والأزلي العدمي: هو إعدام ما سوى اللَّه؛ فإن الحوادث كانت معدومة قبل إيجاد اللَّه لها، وعدمها السابق أزلي لا أول له، فعدم كل ما سوى اللَّه أزلي؛ إذ لم يكن له أول لأنه كان اللَّه ولا شيء معه.
والقدم في اصطلاح المتكلمين: سلب العدم السابق عن الوجود، وإن شئت قلت: سلب الأولية عن الوجود، فلا يوصف بالقدم إلا موجود، وهو ذات مولانا جل وعلا وصفاته العلية، ولا يوصف العدم