أما بعد: فليكن في علم ناظره أنا أردنا تقييد خبر رحلتنا هذه إلى بيت اللَّه الحرام، ثم إلى مدينة خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام؛ ليستفاد بما تضمنته من المذاكرة، والأحكام، وأخبار البلاد والرجال، وما تجوَّل فيه الأدباء من المجال، والغرض الأكبر من ذلك تقييد ما أجبنا به عن كل سؤالٍ علميٍّ سئلنا عنه في جميع رحلتنا.
اعلم أنا خرجنا من عند أهلنا بجانب الوادي ذي البطاح والمياه والنخيل، وودَّعَنَا كل قريب وخليل، والبين يهيج في القلوب الداء الدخيل، فترى ورد الخدود يطله جمود الدموع، والأعين تنكر السِّنَةَ والهجوع، ماء العيون في الجفن حائر، حسبما قال الشاعر:
ومما شجاني أنها يوم ودعت ... تولت وماء العين في الجفن حائر
فلما أعادت من بعيد بنظرةٍ ... إليّ التفاتًا أسلمته المحاجر
وكان يوم الخروج لهذه القاعدة الكبيرة لسبع مضين من جمادى الآخرة، من سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف، أَمَّنَنَا اللَّه مما نخشاه من الأمام والخلف، فخرجنا من بيوتنا يصحبنا بعض تلامذتنا إلى قرية اسمها "كيفة"، فوصلناها في مدة خفيفة، ونحن تَحْدِي بنا الجمال، في الأودية والرمال.
في مدة إقامتنا بـ "كيفة" سألتنا كريمة من بنات العم، وهي أم الخيرات بنت أحمد بن المختار الجكنية عن مسألتين، وطلبت فيهما منا التحرير، وأحضرت فهم العالم النحرير.
أولاهما: ما يحيك في النفس من عدم الفرق بين عَلَم الجنس