فاعجب لأمة يخاطب اللَّه مسرفيها هذا الخطاب في الآيات البينات المحكمات من الكتاب.
وقوله لهم:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} كلام مبدوء بحرف تأكيد مختوم باسم تأكيد، وتأكيد اللَّه وعده على إنجازه أصدق شهيد؛ إذ قال في كتابه المنزل على خير العباد: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٩)} [آل عمران/ ٩].
وخصنا من بين سائر الأجناس بقوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران/ ١١٠].
جاءنا بالحنيفية السمحة، وبذل لنا نصحه، وكان مما أنزل عليه صلوات اللَّه وسلامه عليه:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام/ ١٩]. فقد بَلَغَنَا، وآمنا بكل ما فيه، وائتمرنا بأوامره، وانتهينا بنواهيه، فهو النور المبين، والحبل المتين، وقد جعلناه في أمور ديننا دليلاً، فتحركنا من مسقط الرأس بقوله:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران/ ٩٧]. جعلنا اللَّه ممن يأتمر بالأوامر، وينزجر بالزواجر، فامتثال هذه الآية الكريمة جَشَّمَنَا هذا السفر المبارك السعيد حتى أتينا من مكان بعيد، فبها نهضنا للسفر هذه النهضة السريعة، لا بقول عمر بن أبي ربيعة:
إن كنت حاولت دنيا أو أقمت لها ماذا أخذت بترك الحج من ثمن