وباتت بنا تلك الليلة في قرية اسمها "سيكثو"، وباتت بنا أيضًا في الليلة الثانية في قرية اسمها "صن"، ومررنا في طريقنا هذه على قرى صغار مساكنها العُرش والأخصاص، يزرعون الذرة واللوز، وليس على أبدانهم شيء من الثياب أصلًا، ونساؤهم حالقات الرؤوس عاريات جميع البدن، والواحد منهم ذكرًا كان أو أنثى يجعل خرقة صغيرة جدًا، أو ورقة من ورق الشجر على سوءة قُبله، ولا يستتر بشيء غير ذلك، وهم سود الألوان، سمعت بالاستفاضة أنهم وثنيون يعبدون الشجر، وما نزلنا في شيء من قراهم، ولا كلمنا منهم أحدًا مع أن السيارة تمر بنا من بين مزارعهم، ما عليهم من الثياب إلا ما ولدتهم به أمهاتهم، وسمعت أنهم ربما أكلوا الناس، ويسمون باللسان الدارجي "العرايا" وهم تحت حكم فرنسا.
ثم جاءت بنا السيارة بلد "مبتى" وقت الظهر، فنزلنا في دارٍ فيها تجار منا، فبالغوا في إكرامنا، وبتنا معهم ليلتين، ثم حملونا في البريد الفرنساوي المتوجه إلى قرية "فاوه"، فمكث بنا دون "فاوه" ليلتين: أولاهما: في محل اسمه "دوينصه"، وكان مقيلنا من الغد في قرية اسمها "همبري". والثانية على شاطئ النهر، ما بيننا وبين قرية "فاوه" إلا نفس النهر. ثم دخلنا "فاوه" وقت الضحى، فنزلت عند رجلٍ تاجرٍ من أبناء العم اسمه الزاوي، وهو رجل طيب الأخلاق والشمائل، فأحسن إلينا غاية الإحسان، واجتمع علينا تجار من قبيلتنا الجكنيين كانوا في أرض "فاوه"، فمكثنا معهم أسبوعًا في غاية الإكرام والتبجيل، وزارنا كثير من أهل "فاوه"، وسألونا عن مسائل: