للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجليس محمد بن عثمان العيشى حفظنا اللَّه وإياه من حوادث الزمان، وأهدى لنا جملًا ذلولًا، وكان افتراق ركبينا في شهر اللَّه رجب الفرد، فتذكرت قول مسلم بن الوليد الأنصاري المعروف بصريع الغواني:

ما مَرَّ بي رجب إلا نعمت به ... يا حبذا رجب لو دام لي رجب

فذهبنا على جمالنا قاصدين قرية "تنبدقة" فوصلناها بعد ليال قلائل، فوجدنا قاضيها في انتظارنا، لأجل البرقية التي رفعت إليه بخبرنا، وهو العالم الأديب واللوذعي الأريب المحفوظ بحابيه المسومي، فأقمنا عنده أيامنا في غاية التبجيل والإعظام والإحسان والإكرام، وكثرت بيننا المذاكرات في كثير من فنون العلم، ومما دار في أثناء تلك المذكرات أن قال هو: النص الفلاني منسوخ بالإجماع.

فقلت له: الإجماع لا يجوز النسخ به شرعًا.

قال: وَلِمَ؟

قلت: لأن المنسوخ إما كتابٌ وإما سنةٌ، والإجماع لا ينسخ واحدًا منهما؛ لأن الإجماع لا يعتبر إلا بعد وفاة نبينا صلوات اللَّه عليه وسلامه؛ لأنه ما دام حيًا فالعبرة بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، لأن قوله حجة على كل أحد، وليس قول أحدٍ حجةٌ عليه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم، ولذا لابد في حد الإجماع من القيد بقولهم: من بعد وفاته صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم. قال في "مراقي السعود" في حدّ الإِجماع:

وهو الاتفاق من مجتهدي ... الأمة من بعد وفاة أحمد

وإذا حققت أن الإجماع لا يعتبر إلا بعد وفاته صلى اللَّه عليه وآله

<<  <   >  >>