وقد حررنا هذه المباحث في كتابنا المنظوم وشرحه في فن المنطق.
ثم طلب منا بعض العلماء أن نتكلم لهم على المصالح المرسلة، وعلى دليل المالكية على الاستدلال بها.
وكان جوابنا أن قلنا لهم: إن المصالح المرسلة التي تسمى عند الأصوليين بهذا الاسم وبالاستصلاح وبالمرسل: هي الوصف المناسب الذي يتضمن ترتب الحكم عليه مصلحة، والحال أنه لم يرد نص من الشارع على اعتبار نفس ذلك الوصف في نفس ذلك الحكم، ولا على عدم اعتباره فيه، ووصفت بأنها مصلحة واستصلاح لما فيها من مطلق المصلحة للناس، ووصفت بالإرسال لإرسالها أي إهمالها عما يدل على اعتبارها أو عدم اعتبارها.
فمالك رحمه اللَّه لا يهمل تلك المصلحة المترتبة على ذلك الوصف من ترتيب الحكم عليه، لأن الشارع عهد منه عدم إلغاء المصالح، ودليل المالكية على العمل بالمصالح المرسلة إجماع الصحابة الإجماع السكوتي على العمل بها في وقائع كثيرة، بانضمام بعضها إلى بعض يحصل القطع، ولابد أن نذكر منها ما فيه كفاية.
فمن ذلك: تولية أبي بكر لعمر رضي اللَّه عنهما؛ لكونه أحق بالخلافة ممن سواه، فتوليته له هو الحكم، وكونه أحق هو الوصف المناسب للحكم، وقد اكتفى به أبو بكر -رضي اللَّه عنه- عند وفاته في