وسلم، فبعد وفاته لا يصح النسخ بحال؛ لأنه تشريع جديد، وهو صلوات اللَّه وسلامه عليه لا مشرع بعده، بل لم يبق بعده إلَّا اتباع ما جاء به صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم، فظهر منع النسخ بالإجماع. قال في "مراقي السعود":
فلم يكن بالعقل أو مجرد ... الإِجماع بل ينمى إلى المستند
ومعنى قوله:"بل ينمى إلى المستند" أنك إذا وجدت في كلامهم: هذا الحكم منسوخ بالإجماع فإنهم يعنون كونه منسوخًا بالنص الذي هو مستند الإجماع؛ إذ لابد للمجمعين من مستند من كتاب أو سنة، وذلك المستند هو الناسخ لا الإجماع نفسه، لأنه لا ينعقد إلا بعد وفاته صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم، وحينئذٍ فلا نسخ لأنه تشريع جديد.
ثم قال لنا القاضي المذكور: ما الحكمة في النسخ، هل هي التخفيف، أو لا؟
فقلت له: لا، لجواز نسخ الأخف بالأثقل. قال في "مراقي السعود":
* ويُنْسَخُ الخِفُّ بما له ثِقَل *
ومنه نسخ التخيير بين الصوم والإطعام المدلول عليه بقوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة/ ١٨٤] بإيجاب الصوم المدلول عليه بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة/ ١٨٥]، والتخيير بين الصوم والإطعام أخف من إيجاب الصوم.
وقيل في آية:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أنها محكمة، وتقدَّر: "لا