فقال لنا. هل تأتي "فاعَلَ" لغير معناها من اقتضاء مفاعلة بين أمرين؟
فقلنا: نعم، ربما تأتي لغير ذلك، نحو سافر وعافى وعاقب.
ثم ارتحلنا من القرية المسماة "النعمة" آخر النهار في العشر الأول من شعبان متوجهين إلى المحل المسمى "بمكو" وركبنا إليه سيارة بعد أن بعنا جمالنا في قرية "النعمة"، وودعنا بعض فضلاء القرية حتى دخلنا السيارة، فبتنا تلك الليلة في قرية تسمى "النوارة"، فتذكرت بنزولنا قرية "النوارة" آخر الليل ولم نعرف أحدًا من أهلها بيتي الشاعر الأديب إبراهيم بن بابه بن الشيخ سيديا اللذين قالهما في شأن "النوارة" المذكورة، وهما:
إن للدهر إن تأملت صرفًا ... يكسب المرء حكمة واعتبارا
ها أنا اليوم بالنوار مقيم ... أي عهد بيني وبين النوارا
ثم أقمنا فيها أول النهار، وسافرنا بعد صلاة العصر منها، وحبسنا المطر ليلًا، فبتنا تلك الليلة بجنب قرية صغيرة لا ندري اسمها، وأهلها سود الألوان، وما بين "النوارة" و"بمكو" فيافٍ واسعة، تتخللها قرى صغار من السوادين، وجاءت بنا السيارة بلد "بمكو" في الليلة الثالثة آخر الليل، فنزلنا عند تاجر منا طيب الشمائل والأخلاق، اسمه أحمد بن الطالب الأمين، وهو من أخص إخواني وتلامذتي، فبالغ في إكرامنا، وأهدى لنا ثيابًا، ودفع عنا أجرة السيارة إلى بلد "مبتى" فبادرنا السفر إلى جهة "مبتى"، وركب معنا أخونا أحمد المذكور في السيارة،