وقول الشيطان:"تلك الغرانيق العلى" شركٌ أكبر صُراح، وكفرٌ بواح، وهو صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم مبعوثٌ لإخلاص العبادة للَّه وحده مما تضمنته كلمة لا إله إلا اللَّه، كجميع إخوانه من المرسلين؛ قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل/ ٣٦]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء/ ٢٥]، وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)} [الزخرف/ ٤٥].
فإخلاص العبادة للَّه وحده هو دعوة عامة الرسل، وأشدهم فيه احتياطًا خاتمهم صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم، ولذا منع بعض الأمور التي كانت مباحة عندهم احتياطًا في توحيد اللَّه في عبادته جل وعلا، فالسجود لمخلوق في شريعته السمحة كفرٌ باللَّه تعالى، مع أنه كان جائزًا في شرع غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى عن يعقوب وأولاده في سجودهم ليوسف:{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}[يوسف/ ١٠٠].
ولذلك أمر نبينا صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم أن يقول للناس: إنه ما أوحي إليه إلا توحيد اللَّه تعالى في عبادته في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨)} [الأنبياء/ ١٠٨]، وقد تقرر عند الأصوليين والبيانيين أن لفظ "إنما" من أدوات الحصر، فدلت الآية على حصر الموحى إليه صلى اللَّه عليه