للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سياق النفي؛ لأن نفي الفعل نفي للمصدر الذي هو جز من مدلوله، فإذا قلنا: "لا يقوم زيد" عمَّ النفي أفراد المصدر، فكأنما قلنا: لا قيام لزيد.

وقال أبو حنيفة: لا تعميم في الفعل بعد النفي وضعًا، بل فيه تعميم عقلي بدلالة الالتزام. وما نصر به الرازي في "محصوله" مذهب أبي حنيفة في عدم عموم الفعل في سياق النفي لا يصح التمسك به، فانظر تحقيقه في "حاشية العبادي على شرح المحلي لجمع الجوامع" يظهر لك ما ذكرنا.

فبهذا تعلم أن قوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} يعم نفي كل باطل يأتي القرآن، وقد أكد هذا العموم بقوله: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}، فلو قدرنا أن الشيطان أدخل في القرآن على لسان النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم: "تلك الغرانيق العلى" -وحاشاه من ذلك- لكان قد أتى القرآن أعظم باطل من بين يديه ومن خلفه، فيكون تصريحًا بتكذيب اللَّه جل وعلا في قوله: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}، وكل خبر ناقض القرآن العظيم فهو الكاذب؛ للقطع بصدق القرآن العظيم، ونقيض الصادق كاذب ضرورة.

ولا حجة في أن اللَّه جل وعلا نسخ ما ألقاه الشيطان في القرآن على لسان النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم كما قال: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [الحج/ ٥٢]؛ لأن الباطل إن أتى القرآن أولا ثم نُسِخَ فنَسْخُه بعد إتيانه لا يرفع اسم الإتيان أولًا، وقوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} نص صريح في نفي أصل إتيان الباطل كما قدمنا.

<<  <   >  >>