صرح بها- أن يقول مشترط النية في الوضوء والغسل، كالمالكي والشافعي: ما هو قربة يشترط فيه النية كالصلاة. ويسكت عن المقدمة الصغرى المشتملة على موضوع النتيجة، وهو: الوضوء والغسل قربة. فيقول المعترض كالحنفي بموجبه بأن يقول: مُسَلَّم أن ما هو قربة يشترط فيه النية، ولا يلزم اشتراطها في الوضوء والغسل؛ لأن المقدمة الواحدة لا تنتج. فإن صرح المستدل بأن الوضوء والغسل قربة فركب الدليل تامًّا بأن قال: هما قربة، وكل ما هو قربة تشترط فيه النية، فينتج: هما تشترط فيهما النية. فجواب الحنفي عن هذا خارج عن القول بالموجب؛ لأنه يمنع الصغرى فيقول: الوضوء والغسل ليسا بقربة، بل هما كطهارة الخبث التي لا تشترط فيها النية؛ لأن القول بالموجب إنما ورد من أجل السكوت عن الصغرى، وقد زال بذكرها.
وتقييدنا في الجواب "بغير المشهورة" احترزنا به عن المشهورة؛ لأنها كالمذكورة، فلا يتأتى فيها القول بالموجب، وعكس بعضهم في هذا القيد فقيد بالشهرة لا بنفيها؛ لأن فيه التنبيه على مسوغ حذف المقدمة وهو شهرتها، فصاحب هذا القول يقول: غير المشهورة لا وجه لحذفها، والمشهورة ما كانت ضرورية أو متففا عليها بين الخصمين.
ثم ليعلم ناظره أن الوضوء والغسل مثلًا وسيلة إلى صحة الصلاة، فمن أعطى الوسيلة حكم مقصدها الذي يقصد بها جعلهما قربة، فأوجب فيهما النية، ومن لم يعطها حكم مقصدها لم يجعلهما قربة، فلم يوجب فيهما النية. والذي يظهر لنا أن التحقيق هو الأول.